كوثر، من تحديات كثيرة إلى نموذج يحتذى به
“أشعر الآن أن لي قيمة، لست مجرد كائن يجلس في
المنزل بدون فائدة”، هكذا لخصت كوثر عمر
نصار 25 عاماً، قصة نجاحها في زراعة الكوسا المعلق. كوثر 25 عام، من بلدة علار في
محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، أنهت دراستها في العام 2015 بتخصص البيئة
والزراعة المستدامة، وبقيت عاطلة عن العمل، حيث لم تتمكن من إيجاد فرصة عمل كحال
الكثيرين من الخريجين الشباب في فلسطين، واستمر الوضع على ما هو عليه لمدة 3 سنوات
دون جدوى.
مشاريع صغيرة نحو الحد من البطالة على
طريق تحقيق السيادة على الغذاء
يسعى اتحاد لجان العمل الزراعي ومن خلال برامجه
ومشاريعه التي يقدمها للمزارعين الفلسطينيين إلى حماية الأرض ودعم صمود المزارع
الفلسطيني على طريق تحقيق السيادة على الغذاء، كمبدأ يعزز حق الناس بالسيادة على
مواردها ومصادر غذائها، كما يؤمن أن المشاريع التنموية الصغيرة هي وسيلة للحد من
البطالة، وطريق لتمكين المزارعين وتشجيعهم على إنتاج غذائهم ومساعدتهم في خلق
مشاريعهم الخاصة التي تشكل مصدر دخل لهم ولعائلاتهم وبالتالي سيادتهم عليها، ورغم
أن مفهوم السيادة على الغذاء في ظل احتلال يسيطر على الموارد الطبيعية والرئيسية
للفلسطينيين كالمياه والأرض صعب المنال بشكل كامل، إلا أن الاتحاد يعمل ومنذ سنوات
تأسيسه على بذل كل ما يستطيع من خبرة وكادر وبرامج على تحقيق هذا الهدف.
في العام 2018 أعلن اتحاد لجان العمل الزراعي عن فرصة
لتمويل مشاريع مميزة في مجال الزراعة أو المجالات ذات العلاقة، فقررت كوثر التقدم
للحصول على هذه الفرصة، “عرفتُ عن إعلان الاتحاد، فقررت أن أتقدم بفكرة
مميزة، وأنا أعيش في محافظة تشتهر بالعمل في الزراعة، فبدأت باستشارة المزارعين في
منطقتي حول المحاصيل التي يزرعونها وكانت الخيار والبندورة والفليلفة”.
من هنا قررت كوثر التوجه لما هو مختلف وبعيد عن الأسلوب التقليدي المتبع في
منطقتها، فقررت زراعة الكوسا في فصل الشتاء وهو محصول صيفي، كما قررت زراعته
معلقاً على خلاف المتعارف عليه وهو زراعة الكوسا بشكل أرضي، ” فكرت بشيء
جديد، وشكل زراعة جديد، وزراعته في غير موسمه باستخدام البيت البلاستيكي، هذا كان
ما يميز فكرتي التي قدمتها كمشروع لاتحاد لجان العمل الزراعي”.
نجحت كوثر في الحصول على المنحة، وبدأت بتنفيذ مشروع
زراعة الكوسا المعلق، فكانت الأولى التي استخدمت هذا الأسلوب الذي بحثت عنه وقرأت
حوله لتكون جاهزة من كل النواحي لإنجاح المشروع، تقول كوثر ” زراعة الكوسا
معلقاً يحميه من الأمراض والحشرات وغيرها، عكس الزراعة الأرضية، درست الموضوع من
كل الجوانب، ولم أواجه مشكلة، وزرعت بنظام محكم، واستخدمت أساليب طبيعية وعضوية
لأتجنب كل ما هو كيماوي، وكان إنتاجي ممتازاً”.
من تحديات مختلفة إلى نموذج يحتذى به
واجهت كوثر صعوبة في البداية، كونها فتاة قررت العمل
في الزراعة وهو ما يحتاج متابعة دائمة وتواجد في الأرض بشكل مستمر لضمان إنتاج
جيد، ” كسرت هذا الحاجز، وقررت بأنني لن أبقى بدون فائدة وفرضت نفسي على
الجميع وذلك بدعم وتشجيع من أسرتي”. شكلت كوثر نموذجاً في بلدتها، وشكلت
مرجعية للمزارعين في منطقتها، فيأتي المزارعون لاستشارتها في أمور زراعية معينة،
وبعضهم طبق تجربتها في الكوسا المعلق، الأمر الذي أسعدها جداً على حد تعبيرها. تقول
كوثر ” هذا المشروع شكل نقلة نوعية في حياتي، وهناك العديد من المؤسسات
التي تزورني للاطلاع على تجربتي هذه”.
طموح كبير وتوسع مستمر
لم تكتف كوثر بما وصلت إليه، تصر على أن الأهداف يمكن
تحقيقها وأن التحديات يمكن تخطيها، فتعمل على تطوير قدراتها وتعزيز خبرتها، وبدأت
بالعمل على استغلال المساحات الفارغة في البيت البلاستيكي، لزراعة الفراولة بغير
موسمها أيضاً، وعند زيارة مشروعها، ترى أن الأرض الخارجية المحيطة بالبيت
البلاستيكي مستغلة ومزروعة أيضاً، “كل شخص لديه أرض يجب أن يستغلها ويزرعها
ويجب أن يحاول تجربة الطرق غير التقليدية ليتميز”. تعمل كوثر على تطوير
مشروعها واستخدام أساليب تميز انتاجها فبدأت باستخدام أساليب تغليف جديدة لتجذب الزبائن،
وتطمح أن يصل إنتاجها إلى كل أسواق الضفة. من الجدير ذكره أنها لم تتوقف هنا
أيضاً، فقد بدأت بتربية النحل وإنتاج عسل طبيعي تسوقه داخل بلدتها وتطمح لتوسيعه. “العمل
في الأرض بحد ذاته سعادة وشعور بالقدرة على الإنتاج”.
استمر فريق العمل الزراعي بزيارة كوثر في مراحل
تنفيذها للمشروع، تابعها باستمرار وقدم الاستشارات المطلوبة، كان إنتاج كوثر
ممتازاً، نجح مشروعها وحقق دخلاً عالياً، اتبعت أساليب طبيعية وتعمل على توسعة
مشروعها بشكل مستمر.